محمد عزت الشريف

محمد عزت الشريف

 كلمةٌ واحدةٌ..

يُمْكِنني إنْ شئت أنْ أستعيضَ بها عن العنوان. كلمة واحدة هي مَتن الموضوع الذي يُرهِصُ عنوانُه بأنها فكرة، ليست كأيِّ فكرة.

نعم هي ليست محض فكرة. بل هي أغبى الأفكار التي تفتقت عنها عقول  بعض البشر و القيادات في هذا الزمان الذي اختُصِر فيه العالم إلى قرية واحدة كونية. كما اخْتَصَرَ مَقالُنا هذا موضوعَه في فعل واحد يمكن التعبير عنه بكلمة واحدة. كلمةٍ تستحق وصفنا لها كثاني أكبر فكرة غبية حالية في تاريخ البشرية. و قد تخَطّينا منذ عقدين من الزمان عتبة القرن الحادي و العشرين. عصر السماوات المفتوحة و الذي ترابطت فيه كل جنبات الكون في شبكة معلوماتية كونية واحدة. تنقل الحدث بكل جزئياته و تفاصيله في ذات وقت حدوثه.

 

تساؤلات

قد يتساءل البعض تساؤلاتهم المشروعة من مثل: ولماذا إذن تأخر طرْح موضوع خطير كهذا ـ بوصفه و نعته ـ كل هذا الزمن ليأتي الآن تحديداً؟. و الإجابة بسيطة؛ إذ أن الفكرة تلك التي هي موضوعنا هنا لم تكتسب غباءها الواضح البائن إلّا من كونها جاءت في هذا الزمن الذي فيه فُتِحَتْ السماوات. و تحررت المعلومات أكثرـ حتى ـ من تحرر إنسان هذا الزمان/ و انتفت فيه حجج ال (لاأدري) و ال (لم أكن أعلم).

 

رحيل صدام و ثورة الإتصالات

لو قلت لكم على سبيل المثال أن آخر كلمة تَوَسَّلَ بها صدام حسين لشانِقِيهِ و هو على منصة الإعدام قبل أربعة عشر عاماً هي:" سيبني أعيييش"، فكم فرد في هذا العالم يمكن أن يصدقني؟.

حسنا؛ لو قلتُ لكم أنّ أدولف هتلر هو الذي قد قالها لآسِرِيْه  قبل أكثر من سبعين عاماً: " سيبني أعيييش"، و اشترى عنقه ـ بالفعل ـ بعدة ملايين من الماركات الألمانية، قبل أن يُساق إلى منفاه في روسيا ليموت هناك بعد شهور قليلة جرّاءَ أزمةٍ قلبية شديدة، فكم من البشر يمكن أن يأخذ هذه الرواية مأخذ الجدّ محاولاً تصديقها بالبحث لها عن منطق للصحة؛ قبل أن يصدقها أو يشكك فيها؟.

في حالة صدام حسين فلن يصدقني أحدٌ إلّا قليلُ عِلم، أو عديمُ إدراك، أو فاقدُ ذاكرة.

و أمّا في حالة هتلر فإن نسبة الذين يُحتَملُ أن يصدِّقوني ستكون أكبر كثيراً من النسبة في حالة صدام حسين، و السبب بسيط و واضح؛ و هو أننا في حالة صدام حسين فقد رأينا لحظات إعدام الرجل بثاً مباشراً في حينه، وحتى الذين لم يشهدوا تلك اللحظات حضورياً " في الزمان أو المكان" فإن لديهم الفرصة ودائما ليشاهدوها؛ عبر كل أدوات العرض المسموعة و المرئية و المنقولة دوماً عبر مختلف قنوات الإعلام و الشبكة الدولية للمعلومات.

 

رحيل هتلر و ثورة الإتصالات

و أما في حالة " أدولف هتلر" فكل الإحتمالات قائمة. و ليس لدى أيّ أحد في العالم طوال كل تلك السنوات أيّ دليل قاطع أو حتى مقبول لأنْ نصدق هذا الإحتمال أو ذاك الآخر، أو غيرهما و إلى ما شاء الله من احتمالات، و السبب بَيِّنٌ واضح؛ و هو أن زمن اختفاء أدولف هتلر إبان انتهاء الحرب العالمية الثانية  لم يدرك عصر الإنترنت و قنوات نقل الأحداث في زمن حدوثها و توثيقها و نقلها لأجيال عديدة قادمة و لأزمنة مديدة تالية و إلى ما شاء رب هذا الكون و خالقه.

 

قبل و بعد

هناك فرق بالتأكيد بين حدثٍ حدثَ بعد ثورة الإتصالات الهائلة هذه و بين حدثٍ حدثَ من قبلها، و من العَمَى ألّا يدرك أحدٌ هذا الفرق. و من الغباء أن يحتج مُحاجِج في هذا الزمان بحجة عدم العلم أو المعرفة بمثقال ذرة إنْ تكن في صخرة، أو في السموات أو في الأرض و قد أتانا بها الله عبر ما يَسَّرَهُ لنا من أدواتٍ للعلمِ، و تداول المعرفة.

 

الجريمة في عصر السماوات المفتوحة

ثاني أغبى فكرة في تاريخ الجنس البشري أن يظن مجرمٌ غاصب أو خاطف أنه يمكنه أن يقترف جريمته في غفلة من كاميرات و أقمار، و سماوات العالم المفتوحة. وتُقَيَّدُ جريمته ضد مجهول ـ كما كان في سابق الأزمان ـ سواءً لنقص الأدلة و كثرة الطعون، أو لغياب القرائن واختفاء الشهود!.

ثاني أغبى فكرة في تاريخ الجنس البشري. أن يظن ظانٌ في هذا الزمان أنْ ينجو خاطفُ برتقالةٍ من بائعٍ متجوّل على الطريق؛ بدعوى أنه قد لا يراه أحد!.

فإن كان هذا حال خاطفِ برتقالة..

فما بالكم بِمَن يختطف شعباً كاملاً.. و يغتصب وطناً بِرُمَّته ؛ كما هو الحال في فلسطين العربية ؟!.

 

لو تدرون

أتدرون لِمَ كان انكارُ الخالقِ العظيم و الشركُ به ظُلماً عظيماً؟!

لأن انكار الحقّ إنما هو تغييب لمَنْ صفته أنه لا يغيب..

و مَنْ يفعل ذلك إنما يفسق عن ناموس هذا الكون و قوانينه.

ومنتهى الغباء أن يفكر الفاسق الظالم في إمكانية أن يقنعنا جميعناً بأُكذوبته و ضلاله!.

 

بديهية

من البديهي إذن؛ أن أقول عند هذا الحد، أنّ الفكرة الأغبى في تاريخ الجنس البشري هي إنكار خالق هذا الكون. و "إنّ الشركَ لظلمٌ عظيم" و الظلم في حقيقته جَورٌ للباطل على الحق لِكَفْرهِ و تغطيته؛ و هو الحق الثابت.و كل فكرة ينطبق عليها هذا الوصف نحو تغطية و نكران الحق الثابت ـ هي فكرة غبية. و تزداد درجة غبائها بازدياد كِبَرِ حجمها و وضوحها و لامنطقية الإقدام عليها.فالسارقُ فاسقٌ؛ لأنه خرج على أعراف مجتمعه. والخاطف أكثر فسوقاً؛ لأنه زاد عن خروجه على أعراف مجتمعه بتحديه لأفراد ذلك المجتمع. و أما الغاصب فقد زاد على كل ما سبق بأن غصب جلد ضحيته و سلخها ـ ربما قبل ذبحها. و أقدم على ذلك عياناً بياناً على مرأى و مسمع من العالم؛ حضورياً و بثاً مباشراً، قبل أن يُحفَظَ أرشيفاً أبديّاً مسجلاً!.

 

فكرة غبية

كم غبيّ ذلك الظالم الغاصب الفاسق الذي يُقدم على مثل ذلك الفعل الإجرامي الفاضح!.

والأغبى من الفاسق الظالم المغتصب هو مَن يأتي من بعده و يدفع و ينافح عنه!.

أيّ فكرة غبية تلك التي تدفع المُحاجِجَ أن يُحاجج عن الظالم الغاصب؛ وأن يُسوِّل له جريمته، و يبحث له عن المبررات أيّا كانت الحجج و الإدّعاءات!. و أي فكرة غارقة في الغباء تلك التي تدفع الملوك و السلاطين ليتقدموا أمام شعوبهم و يحكموا على الظالم و الغاصب بالبراءةِ!.

أيّ فكرة  غارقة في الغباء أن يُنْزِلوه منزلة الأمر الطبيعي المقبول، بل و يطالبوا شعوبهم بالتصديق و يدعوهم للتطبيع!. أيّ غباءٍ هذا الذي لم يبقَ له غيرُ شعرةٍ.. محضُ شعرةٍ.. تَفرقُ بينه و بين العَتَهِ و الجنون!.

 

(التطبيعُ ) مع الظالم الفاسق الغاصب يا سادة

التطبيع لو تعلمون..

ثاني أغبى فكرة في تاريخ الجنس البشري؛ تُسَوِّق للظلم و الغصب و الفسوق.

و تسوي بين الظالم و المظلوم، و الغاصب و المغصوب.

ثاني أغبى فكرة في تاريخ الجنس البشري  تَجُوزُ الحدَّ.. و تخترق بداهات العقول!.

و تَطْوِي مديد المسافةِ.. بين بليغ الحكمةِ.. و فرط الجنون!!.