دولي

"بعد يومين من الإبحار بلا هدف ، ظهر قارب لخفر السواحل بعيدًا وتم إطلاق سراح الجميع".

مركز الأخبار

منذ حوالي شهر ، وصل مهاجران تونسيان إلى لامبيدوزا، يرويان جزءا من قصة رحلتهما في البحر ولحظة وصولهما إلى الجزيرة الإيطالية. المهاجران تحدثا عن ظروف الاحتجاز في الجزيرة قبيل نقلهما إلى جزيرة صقلية.

بدأت السلطات الإيطالية على جزيرة لامبيدوزا اعتماد سياسة "إخفاء" المهاجرين الواصلين حديثا عبر إرسالهم مباشرة إلى مركز الاحتجاز، ثم إلى عبارات راسية بعرض البحر ليمضوا فترة الحجر الصحي المطلوبة. هذا الإجراء يستثني الحالات الضعيفة، كالقاصرين غير المصحوبين بذويهم أو النساء الحوامل، حيث يتم إرسالهم مباشرة إلى جزيرة صقلية، حيث يتم إيداعهم في مراكز استقبال هناك.

عند زيارة الجزيرة، لن تجد أيا من المهاجرين في شوارعها، على عكس الصورة التي صبغت شوارعها خلال السنوات القليلة الماضية. المهاجرون يصلون إلى منطقة مغلقة في الميناء حيث تقوم الشرطة بنقلهم مباشرة من هناك إلى مركز الاحتجاز. عمليات نقل المهاجرين تتم بصمت نسبي، حافلات ترافقها سيارات الشرطة تتوجه إلى المركز، أخرى تنقل مهاجرين من المركز إلى الميناء، كل هذا يجري والحياة تسير بروتينها الطبيعي على الجزيرة.

منظر عام للمنطقة المخصصة لاستقبال المهاجرين في ميناء "بويرتو نوفو" في لامبيدوزا، 16 تشرين الأول/أكتوبر 2021. شريف بيبي

تم التواصل مع باسم* وأحمد*، مهاجران تونسيان وصلا إلى لامبيدوزا قبل نحو شهر، خضعا للاحتجاز في المركز ثم للحجر الصحي على العبارات قبل أن يتم نقلهما إلى صقلية.

للمهاجرين روايتان مختلفتان عن طريقة الوصول إلى لامبيدوزا، فالأول كان قد انطلق من سواحل جرجيس التونسية، أما الثاني فجاء من ليبيا.

"نحن لم نهرب من بلادنا ولم نتخل عنها، لكننا نحاول إيجاد فرص أفضل في الحياة"

باسم، 24 عاما، هرب من ظروف الفقر والأزمات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة في تونس. تمكن من حجز مكان له على متن قارب متجه من جرجيس إلى لامبيدوزا. يقول "كنا حوالي 80 شخصا على القارب، معظمنا تونسيون. نحن لم نهرب من بلادنا ولم نتخلّ عنها، لكننا نحاول إيجاد فرص أفضل في الحياة. اعتقدنا في السابق أن الثورة والتغيير الذي جاء بعدها سيحول بلادنا إلى بلاد الفرص، لكن يبدو أننا كنا نحلم".

يصف باسم، خريج كلية التجارة والذي كان يعمل بائعا للخضار، الرحلة بـ"جهنم"، 19 ساعة من "قتال الأمواج والرياح والمياه المتسربة إلى بطن القارب. بكاء الأطفال وصراخ النساء والرجال لم يتوقف. الخوف والرعب تملكاني معظم الرحلة، كنت وآخرين نحاول إفراغ المياه من القارب بأيدينا وننظر حولنا علنا نجد قاربا أو سفينة لتنقذنا. جميعنا كان على قناعة بأن الغرق وشيك".

"قبيل وصول زورق خفر السواحل الإيطالي، كان القارب على وشك الغرق. لا يمكن لأي كان أن يتخيل نظرات الرعب على وجوه من كانوا على متنه. صورة امرأة كانت تحمل طفلها عاليا لتحميه من المياه وهي تكاد تغرق، تستجدي من حولها إيصاله إلى الشاطئ في حال موتها، لا تفارق كوابيسي. كل ذلك تبدد لحظة رؤية زورق خفر السواحل، دخل الجميع مرحلة من النشوة والارتياح مع أن المياه تكاد تغمرنا، أحسسنا بالأمان".

لم يطل الوقت قبل أن يصل باسم وباقي المهاجرين إلى... ميناء "نويفو بورتو" في لامبيدوزا، حيث حصلوا على الرعاية الأولية قبل أن تنقلهم الشرطة إلى مركز الاحتجاز.

لحظة انطلاقنا كنت متيقنا من غرقنا"

بالنسبة لأحمد (22 عاما)، هناك الكثير من التفاصيل التي رواها باسم يتشارك بها معه، وإن كان قد تحدث قليلا عن تجربة الانتظار في ليبيا والبقاء تحت رحمة عصابة المهربين، "يمكن لأي منهم أن يضربك ويهينك ويأخذ مدخراتك، وأنت لا تستطيع فعل أي ‏شيء".

أحمد، الذي كان عاطلا عن العمل، انطلق على متن قارب حديدي صدئ من زوارة باتجاه لامبيدوزا، "كنا كثر، أعتقد أكثر من 300. أعداد كبيرة من البشر مكدسة في باطن القارب وعلى سطحه. لحظة الانطلاق كنت متيقنا من غرقنا، فكرت بأمي كثيرا وبوعودي لها بالعودة، فكرت بجيراني الذين استدنت منهم ثمن الرحلة، فكرت بأصدقائي وبحينا في تونس، استذكرت أحلامي بالوصول إلى فرنسا والدراسة والعمل والحصول على فرص أفضل".

يومان بالبحر كانا كافيان بالنسبة للمهاجر الشاب، "لحظات الهدوء كانت مع حلول الليل، الظلام الدامس وصوت البحر كانا كفيلين بتهدئة الناس ومساعدة الأطفال على النوم، أبواب الجحيم كانت تفتح مع أشعة الشمس الأولى. صراخ وبكاء وصلوات وأدعية، الجميع يبحث عن أوعية لإفراغ المياه من باطن القارب. الوضع كان سيئا في الأسفل، رائحة القيء في كل مكان، فضلات بشرية وعبوات بلاستيكية ونفايات، كنت أشفق على من وضعوا هناك".

"بعد يومين من الإبحار على غير هدى، لاح زورق خفر السواحل من بعيد، فانفرجت أسارير الجميع، خاصة بعد أن تأكدوا أنهم ليسوا ليبيين. اقتربوا منا، أحد العناصر قفز إلى القارب وربطه بحبل، سحبونا إلى الميناء. لن أنسى مشهد عنصر من خفر السواحل وهو يشهق من البكاء وبين يديه طفل لا يتحرك".

ووفقا للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وصل إلى السواحل الإيطالية 12,697 مهاجرا تونسيا منذ بداية 2021 وحتى أيلول/سبتمبر، ما يمثل حوالي 28% من مجمل أعداد الواصلين.

 حمامات قذرة وطعام لا يؤكل ومعاملة سيئة

استفاض المهاجران بالحديث عن ظروف الاحتجاز في لامبيدوزا. قال باسم "المركز مكون من سلسلة من الزنازين المرصوفة بجانب بعضها، وهو محاط بأسوار عالية. الطعام سيء جدا، معظمنا لم يكن يتناول شيئا مما كانت السلطات توزعه علينا... والمراحيض هناك كريهة للغاية، القذارة تغطيها وهي بلا أبواب. النساء المهاجرات كن أكثر من عانى هناك، إذ تخشى كل منهن دخول الحمام أولا لقذارته وثانيا لانعدام الخصوصية. الرجال والنساء يستخدمون الحمام نفسه".

أما عن موضوع اختبارات كورونا ومدى تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي، أكد باسم أن أيا من تلك الإجراءات لم يطبق إلى حين مغادرته، "لم نكن نعلم من المصاب، وإذا كانت الأعراض تظهر على واحد منا، لا يتدخل المسؤولون لحجره أو إبعاده عن المجموعة".

وتواجه السلطات الإيطالية اتهامات باستخدام سياسة الاحتجاز، خاصة للتونسيين الواصلين بشكل غير شرعي، من أجل ردع المزيد عن القدوم، على غرار ما تقوم به الحكومة الأمريكية مع العائلات والمهاجرين القادمين من أمريكا اللاتينية والحكومة الأسترالية التي تسجن عائلات اللاجئين وأطفالهم في منشآت برية وبحرية.

المجلة التركية


مقالات ذات صلة

الأخبار العاجلة

منذ 10 شهر
عاجل | رئيس حزب "الظفر" التركي أوميت أوزداغ يعلن دعمه لمرشح المعارضة في انتخابات الرئاسة التركية كمال كليجدار
منذ 2 سنة
طقس بارد متوقع خلال الأسبوع الجاري في عموم البلاد حيث ستنخفض درجات الحرارة عن معدلاتها الموسمية وتتساقط الثلوج
منذ 2 سنة
وصل وفد من حكومة طالبان في زيارة رسمية برئاسة وزير الخارجية أمير خان متقي، إلى أنقرة، اليوم
منذ 2 سنة
أردوغان يجري لقاءً مغلقًا مع محافظ البنك المركزي التركي شهاب كافجي أوغلو في قصر تشانكايا بأنقرة.
منذ 2 سنة
خبراء يحذّرون من شلل حركة المرور في إسطنبول خلال الشتاء
منذ 3 سنة
أردوغان: هدفنا الأول النجاح في الهبوط على سطح القمر بحلول عام 2023 ، الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية تركيا